فصل: أفعال القلوب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.استيلاء التتر على ممالك خوارزم شاه فيما وراء النهر وخراسان ومهلك خوارزم شاه وتولية محمد بن تكش.

ولما رحل السلطان إلى خراسان استولى على الممالك ما بينه وبين بغداد من خراسان ومازندان وباميان وغزنة إلى بلاد الهند وغلب الغورية على ما بأيديهم ثم ملك الري وأصبهان وسائر بلاد الجبل وسار إلى العراق وبعث إلى الخليفة في الخطبة كما كانت لملوك بني سلجوق فامتنع الخليفة من ذلك كما مر ذلك كله في أخبار دولتهم ثم عاد من العراق سنة ست عشرة وستمائة واستقر بنيسابور فوفدت عليه رسل جنكزخان بهدية من نقرة المعدنين ونوافج المسك وحجر اليشم والثياب الخطائية المنسوجة من وبر الإبل البيض ويخبر أمه ملك الصين وما بينها من بلاد الترك ويطلب الموادعة والإذن للتجار بالتردد لمتاجرهم من الجانبين وكان في خطابه أطراء السلطان خوارزم شاه بأنه مثل أعز أولاده فاستنكف السلطان من ذلك وامتعض له وأجمع عداوته واستدعى محمودا الخوارزمي من رسل جنكزخان واصطنعه ليكون عينا له على صاحبه واستخبره عما قاله في كتابه من أنه ملك الصين واستولى على مدينة طوغاج فصدق له ذلك وسأله عن مقدار العساكر فقللها وغشه في ذلك ثم نكر عليه الخطاب بالولد ثم صرف الرسل بما طلبوه من الموادعة والإذن للتجار ووصل على أثر ذلك بعض التجار من بلادهم إلى أطرار وبها أأأأأأانيال خان ابن خال السلطان خوارزم شاه فعثر على أموالهم ورفع إلى السلطان أنهم عيون على البلاد وليسوا بتجار فأمره بالإحتياط عليهم ففعل وأخذ أموالهم وقتلهم خفية وفشا الخبر إلى جنكزخان فبعث بالنكير على السلطان في ذلك وقال له إن كان فعله أنيال خان فابعثه إلي وتهدده على ذلك في كتابه فانزعج السلطان لها وقتل الرسل وبلغ الخبر إلى جنكزخان فسار في العساكر إلى بلاده وجبى السلطان من سمرقند خراج سنتين حصن به أسوار سمرقند وجبى ثالثة استخدم بها الفرسان لحمايتها ثم سار للقاء جنكزخان فكانت بينهما واقعة عظيمة هلك فيها كثير من الفريقين فكبسهم وهو غائب عنهم ورجع خوارزم شاه إلى جيحون وأقام عليه وفرق عساكره في أعمال ما وراء النهر بخارى وسمرقند وترمذ وأنزل آنبايخ من أكبر أمرائه وأصحاب دولته في بخارى وجهلهم لنظره ثم جاء جنكزخان إليه فعبر النهر مجفلا وقصد جنكزخان أطرار فحاصرها وملكها غلابا وأسر أميرها أنيال خان الذي قتل التجار فأذاب الفضة في أذنيه وعينيه ثم حاصر بخارى وملكها على الأمان وقاتلوا معه القلعة حتى خربها ثم غدر بهم فقتلهم وسباهم وفعل مثل ذلك في سمرقند سنة تسع عشرة ثم كتب كتبا إلى أمراء خوارزم شاه قرابة أمه كأنها أجوبة عن كتبهم إليه باستدعائه والبراءة من خوارزم شاه وذمه بعقوق أمه فبسط آمالهم في كتبه ووعد تركمان خاتون أم السلطان وكانت في خوارزم فوعدها بزيارة خراسان وأن تبعث من يستخلفه على ذلك وبعث بالكتب من يعترض بها للسلطان فلما قرأها ارتاب بأمه وبقرابتها فاستوحشوا ووقع التقاطع والنفرة ولما استولى جنكزخان على ما وراء النهر ونجا نائب بخارى في الفل أجفل السلطان وعبر جيحون ورجع عنه طوائف الخطا الذين كانوا معه وتخاذل الناس وسرح جنكزخان العساكر في أثره نحوا من عشرين ألفا كانوا يسمونهم التتر المغربة لتوغلهم في البلاد غربي خراسان إلى بلاد القفجاق ووصل السلطان إلى نيسابور فلم يلبث بها وارتحل إلى مازندان والتتر في أثره ثم انتهى إلى همذان فكبسوه هنالك وفرقوا جموعه ونجا إلى جبال طبرستان فأقام بقربة بساحل البحر في فل من قومه ثم كبسه التتر أخرى فركب البحر إلى جزيرة في بحيرة طبرستان وخاضوا في أثره فغلبهم الماء ورجعوا وأقام خوارزم شاه بالجزيرة ومرض بها ومات سنة سبع عشرة وستمائة وعهد لابنه جلال الدين سكري ولما بلغ خبر اجفاله إلى أمه تركمان خاتون بخوارزم خرجت سارية واعتصمت بقلعة أيلاز من مازندان ورجع التتر عن إتباع خوارزم شاه فافتتحوا قلاع مازندان وملكوها وملكوا قلعة أيلاز صلحا وأسروا أم السلطان وبناته وتزوجهن التتر وتزوج دوشي خان بن جنكزخان واحدة وبقيت تركمان خاتون أسيرة عندهم في ذل وخمول والله سبحانه وتعالى أعلم.

.مسير التتر المغربة بعد خوارزم شاه إلى العراق وأذربيجان واستيلاؤهم عليها إلى بلاد قفجاق والروس وبلاد الخزر.

ولما رجع التتر المغربة من اتباع خوارزم شاه سنة سبع عشرة عادوا إلى همذان وانستفوا ما مروا عليه وصانعهم أهل همذان بما طلبوه ثم ساروا إلى سنجار كذلك ثم إلى قومس فامتنعوا منهم وحاصروها وملكوها غلابا وقتلوا أكثر من أربعين ألفا ثم ساروا إلى أذربيجان وصانعهم صاحب تبريز وانصرفوا إلى موقان ومروا ببلاد الكرج فاكتسحوها وجمعوا لهم فهزموهم واثخنوا فيهم وذلك آخر سنة سبع عشرة ثم عادوا إلى مراغة فملكوها عنوة في صفر سنة ثمان عشرة واستباحوها ورحلوا عنها إلى أربل وبها مظفر الدين كوكبري واستمد صاحب الموصل فأمده بالعساكر ثم استدعاهم الخليفة الناصر إلى دقوقا للمدافعة عن العراق مع عساكره وولى عليهم مظفر الدين صاحب أربل فخام عن لقائهم وخاموا عن لقائه.
وساروا إلى همذان وبها شحنتهمم فامتنعوا من مصانعتهم وقاتلوهم فملكوها عنوة واستباحوها واستلحموا أهلها ورجعوا إلى أذربيجان فملكوا أردبيل واستباحوها وخربوها وساروا إلى تبريز وقد فارقها أزبك بن البهلوان إلى نقجوان فصانعوهم بالأمان وساروا إلى بيلقان وملكوها عنوة وافحشوا في القتل والمثلة واكتسحوا جميع الضاحية ثم ساروا إلى كنجة قاعدة أران فصانعهم أهلها فساروا إلى بلاد الكرج فهزموهم وحاصروهم بقاعدتهم تفليس وردهم كثرة الأوعار عن التوغل فيها.
ثم قصدوا دربند شروان وحاصروا مدينة سماجي ودخلوه عنوة وملكوه واستباحوه وأعجزهم الدربند عن المسير فراسلوا شروان في الصلح فبعث إليهم رجالا من أصحابه فقتلوا بعضهم وقتلوا الباقين أذلاء وأفضوا من الدربند إلى أرض أسحمة وبها من القفجاق واللاز والغز وطوائف من الترك مسلمون وكفار أمم لا تحصى ولم يطيقوا مغالبتهم لكثرتهم فرجعوا إلى التضريب بينهم حتى استولوا على بلادهم ثم اكتسحوها وأوسعوهم قتلا وسبيا وفر أكثرهم إلى بلاد الروس وراءهم واعتصم الباقون بالجبال والغياض وانتهى التتر إلى مدينتهم الكبرى سرداق على بحر نيطش المتصل بخليج القسطنطينية وهي مادتهم وفيها تجارتهم فملكها التتر وافترق أهلها في الجبال وركب أهلها البحر إلى بلاد الروم في إيالة بني قليج أرسلان.
ثم سار التتر سنة عشرين وستمائة من بلاد قفجاق إلى بيلاد الروس المجاورة لها وهي بلاد فسيحة وأهلها يدينون بالنصرانية فساروا إلى مدافعتهم في تخوم بلادهم ومعهم جموع من القفجاق أياما ثم انهزموا واثخن فيهم التتر قتلا وسبيا ونهبا وركبوا السفن هاربين إلى بلاد الإسلام وتركوا بلادهم فاكتسحها التتر ثم عادوا عنها وقصدوا بلغار آخر السنة واجتمع أهلها وساروا للقائهم بعد أن أكمنوا لهم ثم استطردوا أمامهم وخرج عليهم الكمناء من خلفهم فلم ينجمنهم إلا القليل وارتحلوا عائدين إلى جنكزخان بأرض الطالقان ورجع القفجاق إلى بلادهم واستقروا فيها والله تعالى ولي التوفيق بمنه وكرمه.